الجمعة، 24 أكتوبر 2008

مداخلة حول الإعجاز العلمي




غالباً ما تؤدي الهزيمة إلى الانحراف عن القضايا الأساسية المتعلقة بوجودنا الحضاري لأن العقل المنهزم يتمسك بخيوط وهمية لإثبات وجوده كوجود مماثل ومعتبر بين حضارات أدركت قيمتها الإنسانية . وتابعت نموها وفق مقتضيات الضرورة التاريخية، لأنها أدركت أن لا وجود خارج التفاعل والتعامل مع متطلبات الحضارة المنبثقة عن زخم الاكتشافات العلمية وتطوير بنيتها التكنولوجية فوضعت القواعد والأسس المرتبطة بقيام نهضة متكاملة على كافة مستوياتها وطاقاتها الداخلية والاستفادة من تبادل الخبرات العالمية في كافة المجالات لتكون ضمن الوجود المعبر عن ماهية الواقع بكافة مجالاته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وضمن هذا المنظور عَمِلَ من أراد لشعبه وجوداً يعتز به.
أما الواقع العربي بأنظمته المختلفة وبعد أن أصبحت أنظمة وطنية مستقلة أرادت قيام بنية سياسية فوقية وقهرية مترفعة عن قضايا الوطن وأماله وأسست بنية مفادها التركيز على توطيد الأنظمة الاستبدادية بشكل متعالي عن قضايا وهموم الأوطان واهتمت بالمسائل الهامشية والشكلية المرتبطة بالحياة مما وضعها في صورة هلامية مائعة ومنحرفة بالكامل عن المتطلبات الأساسية للوجود ومن خلال الحرص على بقائها في السلطة السياسية ربطت كل شيء بوجودها، وكان لذالك أثره المدمر لبنية المعرفة والطموح العلمي فكرست جهودها لبناء قطيعة مع عقلية التجديد والبناء المدركة لأهمية العلم في قيام حضارة متطورة وتعاونت مع المؤسسات والأفكار ألاهوتية بكافة أشكالها وعقائدها لتأمين غطاء سياسي لوجودها.
ومع وجود الصراع حافظت على بقائها الشكلي كرمز ضروري للمواجهة والبقاء وأساس مهم في الحفاظ على الأوطان من النهب والاستغلال الخارجي من خلال ضخ مجموعة من المفاهيم الدالة على أهمية وحساسية المرحلة القائمة لأنها مرحلة نهوض وتحقيق وجود، غير أن هذا الوجود تحقق بطرقة مغايرة للتطلعات الدالة على بناء واقع متين للدول العربية.
نعم لقد تم بناء واقع منهزم ومقهور بكافة أبعادة العقلية والحضارية ومن خلال الاهتمام الدائم بالتراث المرتبط بعقلية الخلاف المذهبي التاريخي في الوجود الإسلامي والتمسك بذيوله التاريخية لغاية ليست في نفس يعقوب وإنما لغاية التمركز وراء متاريس بنية يمكن تأجيجها في أي وقت والاعتماد عليها في مقاومة أي مد يمكن أن يظهر في نفس الوعي التاريخي الناهض على أساس علمي وقادر على كشف الأخطاء بالجملة .
هذا الواقع نحن به الآن
فالبناء المؤسس على الوهم الديني منذ نصف قرن أدرك مبتغاه في رسم الخطوط العريضة للواقع بظهور المذهبين الشيعي والسني كوجود فاعل في الإبقاء على لعبة التخلف والدوران في حلقات المنازعات الشكلية بتبعيات سياسية هادفة إلى تكريس الانقسام والهزيمة، وجميع المقولات الطافية على السطح غايتها تكريس الوهم في نفوس الشعوب المبعدة عن الثقافة والمشحونة بثقافة الترتيلات العنجهية ولأضاليل الكاذبة والمخادعة للذات، لأنها غير مدركة لأبعادها الحقيقية شعوب خاملة وراء الدعاء المستجاب لإذلال هذه الأمة والنيل من كرامتها التاريخية ووجودها بين الأمم ،إنهم يعرفون تماماً أن القرآن كتاب أخلاق وليس كتاب علم ولا يحتوي قوانين الفيزياء ولا العلوم الرياضية لأنها علوم غير أخلاقية وقادرة على تدمير البشرية. عندما لا تستخدم في المجال الأنسب، فالكيمياء العضوية والهندسة الحيوية والعلوم الزراعية والصناعية وغيرها هي القادرة على تأسيس بنية حضارية عندما ترتكز على قاعدة ثقافية منفتحة ومتحررة من الأوهام وجميع الأضاليل المستخدمة لتكريس الجهل والانقسام على أساس العقائد والمذاهب الدينية، ونظراً لوقوعنا في دائرة العجز والتراجع وعدم القدرة لبناء واقع مرتبط بوجودنا الجغرافي ونابع من هذا الوجود بالذات، هو دليل على تهافتنا وراء الإعجاز القرآني وغيره من الطاقات المدرجة في نظام الأوابد التاريخية ويمكن إحياءها عند اللزوم لمواجهة الحضارة والتقدم ، وعند وصول العقل العربي التراثي العجزي إلى النقطة الحرجة . ضمن هذا الوجود يتحول إلى مقاوم وعابث بكل وجود علمي وكل عقل يخرج عن التبعية وكل حضارة قائمة على العلم والحرية، وخاصةً عندما يحتل مواقع سياسية نافذة ،نظراً لأنها تتطور في مسار يؤدي إلى إلغاء أشكال الفوقية والتبعية وتحرير الإنسان من قيود الثقافة القيدية والمقيدة لحرية الوعي والعقل. لقد أعطى انحسار وتلاشي الأنظمة الشيوعية والفكر الإيديولوجي المرافق لها زخماً قوياً للسلفية فتوسعت ضمن وسط يائس من التغيير وأصبح الفكر الديني متحرر من المواجهة المدعومة من منظومة عالمية لعا ثقلها السياسي على المستوى العالمي فهيمن على العقل الشعبي بطريقة تمكنه من احتكار الفكر المعبر عن ماهيته ومتابعة الواقع الفكري العربي بصورة تنقيحية تمنع ظهور أفكار معادية لوجودها وكبت ألأنفاس بطريقة قمعية عن طريق قيام القيادات الدينية بفتاوى شخصية تظهر المعارضين أعداء للرسالة الإسلامية في كنه ماهيتها الجوهرية وليس بطريقة تعاطيها الفكرية وكأنهم الوريث الفكري الوحيد للعقيدة وكل وجود عقلي خارج طريقة وعيهم هو كفر يستحق العقاب الدنيوي أو التوبة مما أعطى الواقع العربي طبيعة خاصة معادية لكل وجود تواق إلى الحرية في التعاطي مع الأفكار بطريقة نقدية قادرة لوضع أسس علمية لبناء حضارة مستقبلية تنقذ المنطقة من الجمود.
حسين عجمية
Ansaros56@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: